تشكلات المعنى في الخطابات التراثية
كتاب " الحكاية الشعبية الدكالية " أنموذجا
محمد الصبري
يعد
السرد من الميادين التي حظيت باهتمام الدارسين في كتابتهم النقدية المختلفة تنظيرا
و ممارسة، فقط تفطنوا إليه كخطاب كان موجودا منذ أن وجد الإنسان، و في كل المجتمعـــات،
و تبدت ملامحه و تجلياته باعتباره طريقا للحكي و الإخبار في كل الأشكال التعبيرية،
قد نجده في اللغة المكتوبة كما نجده في اللغة الشفوية و في لغة الإشارات و الرسم،
و التاريخ، إنه يمتد بجدوره في تربة خصبة تشتمل على كثير من الأنواع الأدبية.
لقد خضع
مفهوم الخطاب (DISCOURS) لمجموعة من التحديدات النظرية المختلفة في
المجالات التي يستعمل فيها، و ترجع هذه الإختلافات إلى المنطلقات النظرية لهذه
التصـــــــــــــــــــــــــــــــورات و خلفياتها الابسيمولوجيا[1]، لذلك فلكل خطاب لساني (
لغوي) أو خطاب سميائي ( إشاري) يشكل حكاية معينة، ترتكز على مكونات السرد، و هذا
ما يؤكد ذلك الرصيد المتراكم من المسرودات
عبر التاريخ و التي عاشت تطورا مستمرا صاحب تطور الفنون الأخرى من عصر أدبي إلى آخر
، لقد ركزت سيميوطيقا السرد في تصورها لمفهوم الخطاب على تحديده الإجرائي داخل إطار
عام هو إطار المسار التوليدي للنظرية الذي يتحدد بصفته سلمية من المستويات المتعالقة
من المستوى العميق إلى المستوى التركيبي السطحي[2] .
كان هاجس السيميائيات الأساس، هو البحث
عن مبادىء عامة تنظم الأنساق الدالة، غير أنها كثيرا ما كانت تنتفض على نماذجها
التي كان الهدف منها صياغة رؤية علمية، استطاعت أن تطبق كل الإحتمالات من النسقية إلى
التاريخية إلى النفسية إلى الاجتماعية إلى الفلسفية، و تكنولوجيا الاتصال و
الرقمنة، و على الرغم من أن السيميائيات تسعى نظريا إلى التطلع إلى مختلف الثقافات
إلا أنها ظلت محتكمة في لا وعيها إلى متطلبات الفكر الغربي، في بعدها الممتد من
التراث الوثني اليوناني، دونما الالتفات إلى ما أنتجته الحضارة العربية الإسلامية
و حضارات أخرى، و من هذا المنطلق يمكن أن نطرح مجموعة من الأسئلة و هي كالآتي :
كيف يمكن أن ننظر إلى المعرفة التراثية سيميائيا؟ و هل يكفي التعرف على النظريات
الغربية في مجال علم السيمياء حتى يكون الطريق يسيرا لإعادة قراءة أنساق هذه
المعرفة و تشكلات المعنى فيها؟
و الكتاب الذي بين أيدينا المعنون ب " الحكاية
الشعبية الدكالية " مثون سردية للكاتبة حسنة عدي و هو عصارة مجهود فكري
تنقيبي توثيقي، لجانب من الذاكرة الدكالية، تسهم به الباحثة في تقريب القارىء من
الموروث الفكري لمنطقة عرفت بغزارة إنتاجها في هذا المجال عبر التاريخ، " إذ
تشكل الحكاية الشعبية الدكالية في التراث
المغربي عموما نقلة نوعية في الحكي".[3]
إن الحكايات المتضمنة في هذا الكتاب هي
مجرد نماذج تناقلتها مشافهة عدة روايات دكاليات جيلا بعد جيل، و هي تعكس خصوصيات
هذه الجهة في مجالات متنوعة تميزها عن باقي المناطق بالمغرب، فجهة دكالة تزخر بموروث
سوسيو- ثقافي خصب و متنوع له خصوصياتــــــــــــــــــــــــــــــــــه و فرادته
و يشكل إجمالا ثروة ثقافية لها وظائف متعددة منها ما هو تربوي، و ما هو إجتماعــــــــــــــــي،
و ما هو تعليمي، و ما هو ديني، و ما هو تاريخي، و ما هو سياسي.
v
نبدة عن المبدعة حسنة عدي
-
الاسم حَسَنَة عدي، شاعرة وقاصة ومترجمة وباحثة في
التراث الشعبي، من مدينة الجديدة.
-
حاصلة على شهادة الاجازة في الأدب العربي، بكلية الآداب
والعلوم الإنسانية بالجديدة.
-
تَشْغَلُ مَنْصِبَ رئيسة مصلحة الشؤون العلمية والثقافية
برئاسة جامعة شعيب الدكالي بالجديدة.
-
فاعلة جمعوية بالعديد من الجمعيات.
-
شاركتْ فِي العديد من الندوات والملتقيات والأسابيع
الثقافية الوطنية والدولية.
-
أنجزتْ العديدَ من الملفاتِ الأدبيةِ حول مواضيعَ مختلفة
منها : "المبدعون واختياراتهم في فصل الروح عن الجسد"، و"طقوس الكتابة"
و"الكتابة المشتركة".
-
أُجْرِيَتْ معها حوارات من قِبَلِ الإذاعات المغربية
والصحافة الوطنية والتلفزة المغربية.
-
أنجز العديد من النقاد قراءات نقدية وشهادات حول مختلف
اصداراتِها.
-
شاركتْ في العديدِ من معارضِ الكتب.
-
أَنْجَزَتْ قراءات وشهادات في العديد من الإصدارات
المغربية.
-
لَحَّنَ الفنان
"جمال بودويل" كل من قصيدة "آخرُ رسالةٍ لمغتربٍ"، وقصيدة
"يَقُولُون".
-
أشرفت على تنظيم العديد من التظاهرات العلمية والثقافية
الوطنية والدولية.
-
حصلت على عدة جوائز في الشعر والقصة القصيرة والترجمة.
المبدعة حسنة عدي لها اسهامات وازنة في العـديد من
المجالات الابداعية، صدر لها :
في المجال الشعري :
ü صُوَرٌ لامْرأَة
مُرْتَجَلَة
ü
لِغِيَابِكُمْ كُلَّ هَذَا الحَنِينْ
ü
رَأَيْتُ فِيكَ مَوْلِدِي
في مجال القصة القصيرة :
ü
مَلاَمِحُ آخِرِ الليل
في السيرة الذاتية :
ü
مَرَافِئُ البَوْحِ الدَّافِئَة
في الترجمة :
ü ساهمت في ترجمة إصدارين
إلى اللغة العربية هما : "وجـــه الأرض المتغــــــير" و "Du
Géopatrimoine
au Géoparcs : Etude de cas en Afrique et ailleurs"".
في
مجال الحكاية الشعبية : لها إصدارين هما :
ü الحكاية الشعبية الدكالية
ü حَجَّايَاتْ دكالية. هذا
المؤلَّف ترجمته إلى اللغة الفرنسية المبدعة حُسنة عدي في كتاب صدر تحت عنوان : Dans
l’intimité du fantasque doukkali ""
1- الحكاية الشعبية الدكالية
الحكاية الشعبية تعبير موضوعي واقعي غير
منقطع عن الزمان و المكان، إذ تجري في واقع تاريخي فعلي و بطابع جدي، و تتحدد أهم
عناصرها التجنيسية المخصوصة بها في الوعي بمفارقات الحياة الواقعية و الارتباط بها
و يتميز أيضا ببساطة و محدودية الأداة الوظيفية.[4]
و تعتبر حكاية ( ألف ليلة و ليلة)
نموذجا حيا للحكاية الشعبية في تراثنا، فهي تمثل بؤرة السرد الشعبي العربي، و يتشكل
هذا الموروث من مجموعة من الأساطير و الحكايات ، يتلاقى فيها التتابع و التجزيىء ،
و ليس لها مؤلف محدد.[5]
و تعتبر منطقة دكالة جغرافيا و ما تعقب
على أرضها من شعوب و قبائل و أحداث، قد
شهدت ميلاد مجموعة من الأساطير و إندثار ملاحم و سير و حكايات شعبية لا حصر لهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا، و الكاتبة حسنة عدي في هذا الكتاب الذي يضم
خمسة عشر مثنا سرديا عبارة عن حكايات متنوعة، أعادت صياغتها من شكلها الشفهي إلى
اللغة العربية الفصحى، دون التقيد بألفاظ الحكاية الشفهية الأصلية، و إنما تقيدت
بحوادثها و جنوسها البشرية و في الزمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان
و المكان[6]، و بالتالي تحويل هذه
الحكايات إلى إنتاج فكري ذو مكونات بنيوية مهمة أدبيا و جماليا و هو ما سنقف عليه
من خلال الحكايتيتن المتضمنتين في هذا الكتاب و هما حكايــــــــــــــــــــــــــــتا
"هينة " و" عائشة و حورية البحر" .
2 - قراءة في حكايتا "هينة " و" عائشة
وحورية البحر"
يتشكل السرد الشعبي في منطقة دكالة، ضمن الهوية
الثقافية للمنطقة، ويعكس جوانب من الحياة الإجتماعية و الدينية القديمة بسلوكاتها
ومعتقداتها، وبإجابياتها وسلبياتها، و الأهم بذلك بعفويتها وسذاجتها، فمعرفتنا بعض
المعتقدات من خلال الأسطورة، والبطولات من خلال السير الشعبية، هذه الأنواع الكبرى
إشتغل ضمنها السرد الشعبي الدكالي من خلال مجموعة من الحكايات المتضمنة في
كتاب" الحكاية الشعبية الدكالية" وهي مجرد نماذج تناقلتها مشافهة عدة
روايات دكالية جيلا بعد جيل.
2-1 حكاية هينة والوصف
الحكائي
يلعب
الوصف في كل عمل تخييلي دورا رئيسيا، بل يمكننا القول إنه لا توجد حكاية بدون وصف،
فكل خيال مرتبط بالوصف، وقد أعطى الشكلانيون للوصف أهمية كبيرة في الأعمال
التخييلية وسنحاول دراسة جانب الوصف الحكائي في حكاية " هينة" وهي
الحكاية الأولى في كتاب" الحكاية الشعبية الدكالية" المتضمن لخمسة عشر
حكاية، وسنقسم مجال البحث فيها إلى وصف الأمكنة، ووصف الطبيعة والأشياء ثم وصف
أشخاص وذلك في سبيل إستخراج المعنى الأساسي للوصف الحكائي، وقبل أن نشرع في هذا
العمل لابد من تقديم قراءة في حكاية "هينة" قصد الإستئناس بما سيرد وصفه و
الحديث عنه.
تبتدئ
حكاية "هينة" ب " يحكى في سالف العصر والأوان أنه كانت هناك فتاة
إسمها هينة ....) كانت هينة كبقية بنات الدوار ترعى الأغنام وتساعد أمها في أشغال
البيت إلى أن خرجت مع البنات للحطب في الغابة، وبينما هي تحطب من الغابة عثرت على
مغزل ذهبي لماع، فخبئته بإحكام وسط حزمتها لئلا تراه صويحباتها ، ولما انتهينا من
الحطب حزمن كل واحدة حزمتها وهممن بالرواح، إلا أن هينة كلما جمعت حزمتها تفككت
وتشتت أرضا، فانصرفن صديقاتها بعدما دقن درعا بها وبحزمتها، ولما أرخى الليل
سدوله، تمثل ذلك المغزل الذهبي غولا عظيما
فبدأت هينة بالصراخ والبكاء وحكت ما جرى لأمها، ومرت أعوام وأعوام أصبحت فيه هينة
شابة يافعة وكانت ذات حسن وجمال، وتقدم لخطبتها إبن عمها يوسف وكان فتى وسيما،
فجاء الغول وخطفها وحزنت لذلك أمها حزنا كبيرا، وقالوا لخطيبها أنها ماتت فلم يصدق
ذلك ولما علم بالخبر أقسم بألا يعود إلى الدوار ثانية حتى يعود بهينة، فكان أن
حررها من قبضة الغول، وفرح لذلك فرحا كبيرا، وبينهما في طريق العودة وجدو غرابان
يكاد أحدهما يقتل الآخر ، فأشفق منهما يوسف وحاول أن يفرقهما فتحول ذلك الغراب إلى
طائر عظيم وابتلعه وطار به في السماء، وحزنت هينة حزنا شديدا واهتدت إلى حيلة خلصت
بها إبن عمها من بطن الطائر الكبير ، وتزوجوا وعاشوا حياة سعيدة وانتهت الحكاية
بعبارة ( وهكذا حكايتنا مشات من واد اواد ، وأنا بقيت مع وليدات الجواد...).
أ-
وصف الأماكن
كان
غاستون باشلار أكثر انشغالا بضبط جماليات
المكان بالمفهوم الصوري المادي، منطلقا من فرضية أن المخيلة تحفر في عمق الكون
تناهيا ولا تناهيا، وماكان لأمبرطو إيكو أن يجعل الرواية غابة( كاستعارة النص السردي) سوى إدراكه النظري أن
للواقع بروتوكولات ذات قوانين خاصة، تمكن الكاتب من وضع خارطة لهذه الغابة ( مفتوحة
ساحرة أو مغلقة، مخيفة فيها الطيور والأزهار والأفاعي والذبابير والحيوانات .....).
و
يتجلى وصف المكان في حكاية هينة في ( ولجت هينة عتبة بيتها وقد بدا جسدها منهكا )[7] ، نلاحظ في هذه الحكاية
التخييلية أن الكاتبة بتت جزئية الوصف على لسان شخصيات الحكاية وهي تتحاور مع
بعضها أثناء نمو الأحداث ثم انفجارها.
ب-
وصف الطبيعة
تقول
الحكاية ( لما خرجت ذات صبيحة صحبة ابنتها لجلب الماء من الساقية سمعت ضجة ورائها
....)[8] وتقول أيضا ( وهو يعبر
الدروب والهضاب والأودية ....)[9] نلاحظ في وصف الأماكن أن
هذا الوصف جاء متقطعا على شكل عبارات قصيرة رابطة بين الجمل أو الحوارات، إلا أننا
لا نكاد نعثر على فقرة مخصصة لوصف الغابة أو النهر أو الهضاب بالرغم من أن الحكاية
هي أساسا حكاية أحداثها كلها في الغابة .
ج- وصف الأشخاص
تجلى وصف الأشخاص في هذه الحكاية في وصف شكلهم
تارة ومظهرهم الخارجي تارة أخرى وحالتهم النفسية تارة أخرى، و من الأمثلة على ذلك
( كانت هناك فتاة إسمها هينة، وجهها مليح وقدها مياس، وخدودها متوردة ...)[10]، ( كانت هينة في حالة شرود
توحي بالتشتت الوجداني ) [11] ولأن غاية اللعبة
التخييلية الإيهام يصبح بناء واقع حكائي مشروط بسيرورة بويطيقية وإستراتيجية نصية
بهما يتأكد الوعي بعلاقة المكان بالوصف وبالزمن وبصياغة الأحداث، ورسم الشخصيات
ومنظورها واللغة وأنظمتها الإجتماعية الشعرية التي تجعل المعطى الطبوغرافي موصوفا
بجغرافيا فيها فراغات وأبعاد ومرجعيات.
2- علامة الماء وفضاء المعنى
في حكاية هينة
تهدف السيمياء
إلى إستجلاء العلامة باعتبارها دالا - ماثولا يحيل على مدلول - موضوع عبر مستويات تأويلية،
يصطلح عليها" بورس" بالسيميوزيس ( semiocis) الذي يعني
السيرورة التأويلية ويمتاز بلا نهاية التأويل[12]، فكل موضوع يعد ماثولا ينفتح
على التأويل، وفي قرائتنا السيميو تأويلية بأبعادها الأنطولوجية سنحاول كشف اللثام
عن صورة الماء وتشكلاته في حكاية هينة، وقبل الولوج إلى مستويات التأويل السيميائي
كما جاء بها شارل ساندرس بورس سنحاول الوقوف على علامة الماء وأيضا على السيرورة التأويلية
التي قطعتها هذه العلامة لإنتاج ملامح التجربة الأنطولوجية وتحديد مرتكزاتها الجمالية،
ولتبيان السيرورة الدلالية ( السيميوزيس )
التي قطعتها العلامة ( الماء) سنقف عند مستويات التأويل البورسي الثلاثة.
أ - مستوى دلالي أول : شعرية التأويل المباشر
وهو
المعنى اللغوي والمعجمي والتعييني للعلامة، أي ما تقترحه العلامة مباشرة وتكون عناصره
تأويلية ووظيفته الأساسية تحديد نقطة انطلاق الدلالة، تقول الحكاية ( على طول الطريق
كان يحذرها من مغبة إلتفات أمها إلى الوراء كلما ذهبت لتسقي لأهلها الماء من الساقية
....)[13] إن هذا التأويل هو ما اقترحته
العلامة مباشرة ( الماء)، وهو ما يعرف عند نقادنا القدامى ( بالمعنى) ولهذا المستوى
الأول أهمية باعتباره نقطة أولى لانطلاق رحلة التأويل في الدلالة وإدخالها ضمن السيرورة
التأويلية.
ب- مستوى دلالي ثاني : شعرية التأويل الديناميكي
" يؤسس هذا المؤول على أنقاد المؤول المباشر،
ولا يمكن أن يوجد إلا من خلال وجوده"[14] فما أن يتخلص منه حتى ينطلق
نحو أفاق جديدة تضع الدلالة داخل سيرورة التأويل، وهذا ما دفعنا للوقوف على علامة الماء في هذه الحكاية باعتبارها
حكاية تتضمن رؤى على القارئ إستجلائها من البنى المعلنة لينكشف غير المعلن، أو كما
يعبر عنه الجرجــــــــــــــــــــــــــــــــاني ب ( المعنى) أو (معنى المعنى) تقول
الحكاية ( خرجت ذات صبيحة صحبة ابنتها لجلب الماء من الساقية سمعت ضجة ورائها....)[15] و في نفس الصفحة أيضا ( تأملها
برهة ثم سألها بلهجة آمرة أن تمده بجرعة ماء ليروي ضمئه)[16].
ج - الوظيفة الأنطولوجية
:
حيث لاحظنا
كيف نقلتنا الكاتبة من العالم الحقيقي إلى عالم الخيال وذلك برمزية علامة الماء، (
لذلك أوفدتها إلى البحر علا الحظ يبتسم لها مجددا )[17] و ( مازالت عائشة تقترب من
البحر ورجفة البحر من أن تعود خاوية الوفاض).
3- حكاية "عائشة وحورية البحر" ( الأشخاص
والعوامل )
تطرح
دراسة الشخصية أكثر من قضية لم يوجد لها حل حتى الان ويتوقف تدوروف عند نمط من
الشخصيات يتميز بعلاقته بالشخصيات الأخرى، وهذا ما ينطبق على الدراما، فقد استخلص
منها ( سوريو ) نموذجا للعلاقات بين الشخصيات، واقتصر على ستة منها كما فعل غريماس
من بعده وهي :
-
عامل الذات
- عامل الموضوع
- عامل المرسل
- عامل المرسل إليه
- العامل المعاكس
- العامل المساعد
قد تبدوا العلاقات بين شخصيات متعددة
بسبب تعدد الشخصيات، ولكن من السهل تقليصها في العلاقات الخاطرة ( رغبة ، تواصل ،
مشاركة ) إلى حد أدنى، ولا يجب المبالغة في تقليص هذه العلاقات الإنسانية لأن ذلك
سيحول دون تمييز السرد.
يحدد فلاديمير بروب الشخصيات من "دوائر
الأفعال التي تشارك فيها، مما يجعل تصوره تصورا وظيفيا، ويستثمر غريماس هذه
المعطيات اعتمادا على إجراء الإختزال لصياغة النموذج العاملي الذي يمثل العنصر المركزي في التركيب السردي.[18]
وفيما يلي سنحاول البحث في حكاية "
عائشة وحورية البحر" عن أهم العلاقات الرابطة بين الشخصيات وذلك بهدف الوصول
إلى معرفة مميزات السرد في هذه الحكاية، و سنبدأ بإعطاء تعريف للشخصيات الرئيسية
والثانوية، ثم نوضح العلاقات الرابطة بينهما قبل أن نبحث في طبيعة هذه العلاقات،
وسنقسمهما إلى علاقات تعاطفية، وأخرى تنافرية، ومن هنا يمكننا التوصل إلى معرفة
مميزات شبكة العلاقات .
في
حكاية " عائشة وحورية البحر" فتاة إسمها عائشة من سوء حضها أن أباها عزم
الزواج حين اختطفت المنون أمها، وكانت معاملة زوجة أبيها لها معاملة قاسية، ولتزيد
من عذابها أعطتها غربالا وأمرتها بأن تستسقي لها ماءا من البحر، و توعدتها بالضرب
المبرح إن هي لم تفلح في ذلك، وكان لعائشة أن تلتقي بحورية البحر التي ملئت لها
الغربال حليا ذهبية وأخرى فضية، ففرح الأب والزوجة بذلك فرحا كبيرا وانغمسو في
حياة البدخ إلى أن عادوا إلى نقطة الصفر من الإفلاس، فرجعت القصوى و المعاناة
لعائشة فذهبت للبحر للإلتقاء بحورية البحر علها تجود عليها ، فأعطتها شربيلا سيكون
سببا في خلاصها من قصوة زوجة أبيها، و ستلتقي بالأمير إبن السلطان وستعيش حياة سعيدة وتنتهي الحكاية
بالعبارتين ( لقد صدق من قال من تأنا نال ما تعنا لأن الصبر مفتاح الفرج) .
( وهكذا حكايتي مشات من واد الواد .. وأنا
بقيت مع وليدات الجواد...).
3-1 الشخصيات
العوامل
هناك شخصيات أساسية وأخرى ثانوية، فالأساسية
تتمثل في شخصية (عائشة - الأب - زوجة الأب
- حورية البحر- إبن السلطان) و الشخصيات الثانوية تتجلى في شخصيات ( أعوان السلطان
– المدعوات- ابنة زوجة أب عائشة)، سنحاول أن نتطرق لكل شخصية حسب اهميتها:
عائشة: فتاة
يتيمة الأم ( كان يا مكان في سالف العصر والأوان فتاة يقال لها عائشة من سوء
طالعها أن أباها عزم الزواج حين اختطفت المنون أمها ...).[19]
زوجة الأب : امرأة متسلطة وقاسية المعاملة ( وكلما عادت
إلى البيت "بخفين حنين " إلا ووجدت زوجة أبيها تنتفض غضبا...).[20]
حورية البحر : إمرأة فائقة الجمال والأنوثة بذيل سمكة (
فحورية البحر هاته لم تكن من الفصيلة التي كانت بغنائها تغوي الملاحين وتدفعهم إلى
الهلاك بسفونهم ).[21]
الأب : مغلوب على أمره تسيطر عليه زوجته ( فغر الأب فاه
ونظر إلى الغربال المملوء حيليا بعينيه لاتطرفان...).[22]
إبن السلطان : الأمير الذي سيخلص عائشة من بطش زوجة
أبيها وسيتزوجها ( حتى الأمير وجد نظراته تترصد تحركاتها ....).[23]
أعوان السلطان : دورهم خدمة إبن السلطان ( أعوان السلطان
الذين وزعوا لحظة غيابها منشورا بأسماء الفتيات اللواتي وقع عليهن الإختيار ...).[24]
إبنة زوجة الأب : أخت عائشة من أبيها كانت لها مكانة
متميزة بالمقارنة مع عائشة، لكن في الأخير لم تفز بالأمير ( فغضبت زوجة الأب وعنفت
إبنتها على حضها الحاتر ).[25]
3-2 العلاقات بين الشخصيات
تنقسم هذه العلاقات في الحكاية إلى قسمين، علاقات أساسية وأخرى
ثانوية، فأما العلاقات الأساسية تتمحور حول الحدث الرئيسي الذي هو صبر عائشة وتحمل
قصوة زوجة أبيها، أما العلاقة الثانوية فهي على هامش هذين الحدثين تأتي لكي تقوم
بين شخصين أو أكثـــــــــــر و لترسم أبعاد العلاقات التقابلية كما يتطلبها الحدث
الرئيسي، كما أننا نجد في هذه العلاقات علاقات تعاطفية وأخرى تنافرية.
-
العلاقة التنافرية : وتتجلى في الحكاية بعلاقة زوجة الأب و عائشة.
- العلاقة التعاطفية: وتتجلى في علاقة عائشة بإبن السلطان الذي وقع في
شراك حبها وأخرجها من تسلط و جبروت زوجة أبيها.
4- الوظيفة السيميائية للماء في حكاية عائشة وحورية البحر
تتجلى العلامة
المائية في هذه الحكاية في اختلافها من سياق إلى آخر فمرة يدل الماء على الجود و الكرم
ومرة على الشقاء ومرة على الأنس متمثلا في البحر، وسنقف على أهم الوظائف السيميائية
للماء في هذه الحكاية وهي كالآتي :
أ- الوظيفة البنائية :
عند القراءة المتمعنة يبرز النص ذات بنية متماسكة
مكونا لوحة مائية واحدة، فالعلامات الفرعية للماء ربطت أجزاء النص بعضها ببعض تقول
الحكاية (و لتزيد من عذابها وحرمانها أعطتها غربالا وأمرتها أن تستسقي لها الماء من
البحر...)[26]
ب - الوظيفة الجمالية :
حيث أن
الحكاية مبنية بلغة جميلة تتجلى في إستبدالات الماء من سياق إلى أخر تقول الحكاية
( وفي كل مرة كان الماء يتسرب من الغربال)[27].
خاتمة :
يمكن القول أن السرد الشعبي تشكل في تراثنا ضمن
الهوية الثقافية العربية، وعكس جوانب مهمة من الحياة الإجتماعية و الدينية
القديمة، وهذا ما وقفت عليه الباحثة حسنة عدي في كتابها "الحكاية الشعبية
الدكالية " من خلال الوقوف على جانب من الذاكرة الدكالية، وبذلك فقد ساهمت في
تقريب القارئ من الموروث الفكري للمنطقة، بإعادة صياغة الحكايات من شكلها الشفهي
إلى اللغة العربية الفصحى وبالتالي تحويل هذه الحكايات إلى إنتاج فكري ذي مكونات
بنيوية وجمالية.
المراجع المعتمدة :
-
عبد المجيد
النوسي : التحليل السيميائي للخطاب الروائي ، البنيات الخطابية- التركيب
-الدلالة، شركة النشر و التزويع، المدارس الدار البيضاء ، الطبعة الاولى، 2002 .
-
حسنة عدي
" الحكاية الشعبية الدكالية " الطبعة الاولى ، 2008 .
-
علي احمد
محمد العبيدي : الحكاية الشعبية الموصلية بين الوحدة التجنيس و تعدد الانماط، مجلة
دراسات موصلية، مركز دراسات الموصل، 2009
-
عمر عروة:
النثر الفني القديم، دار القصبة للنشر.
-
فيصل الأحمر:
" معجم السيميائيات" منشورات الاختلاف الجزائر، الطبعة 1.
-
عامر
الحلواني: " شعرية المعلقة " كلية الاداب صفاقس، الطبعة 1، 2007.
[1] عبد المجيد
النوسي : التحليل السيميائي للخطاب الروائي ، البنيات الخطابية- التركيب -الدلالة،
شركة النشر و التزويع، المدارس الدار البيضاء ، الطبعة الاولى، 2002 الصفحة 24.
[2] المرجع نفسه
[3] حسنة عدي " الحكاية
الشعبية الدكالية " الطبعة الاولى ، 2008 الصفحة 5.
[4] علي احمد محمد العبيدي : الحكاية الشعبية
الموصلية بين الوحدة التجنيس و تعدد الانماط، مجلة دراسات موصلية، مركز دراسات
الموصل، 2009الصفحة 75.
[6] حسنة عدي : " الحكاية الشعبية الدكالية
" الصفحة 9 .
[7] حسنة عدي : " الحكاية الشعبية الدكالية "
الصفحة 14.
[8] المرجع نفسة الصفحة 15.
[9] المرجع نفسه الصفحة 17.
[10] المرجع نفسه الصفحة 13.
[11] المرجع نفسه .
[12] فيصل الأحمر : ( معجم السيميائيات) منشورات
الاختلاف، الجزائر، ط.1 2010.
[13] حسنة عدي : الحكاية الشعبية الدكالية صفحة 14.
[14] عامر الحلواني: (شعرية المعلقة) كلية الاداب صفاقس
ط . 1، 2007 ص 64.
[15] المرجع نفسه الصفحة 15.
[16] المرجع نفسه.
[17] المرجع نفسه الصفحة 46.
[18] عبد المجيد النوسي : التحليل السميائي للخطاب
الروائي، البنيات الخطابية – التركيب – الدلالة الصفحة 210.
[19] حسنة عدي : " الحكاية الشعبية الدكالية
" الصفحة 43.
[20] المرجع نفسه الصفحة 44.
[21] المرجع نفسه .
[22] المرجع نفسه الصفحة 45.
[23] المرجع نفسه الصفحة 49.
[24] المرجع نفسه الصفحة 47.
[25] المرجع نفسه الصفحة 50.
[26] المرجع نفسه الصفحة 43.
[27] المرجع نفسه الصفحة 44.
إرسال تعليق