تورية لغريب |
الباص الذي اعتاد تشييع المتعَبين لا يعرفني...وكذلك المقاعد التي تفترش احتمالات الفوز بالرغيف المبلّل بالعرق...الجولة الإعتيادية متعِبة، لكنها مُتعتي الوحيدة لأتفقّد ساعة الوصول، ذاك الذي لم يتقدّم نحوي بعد...
في الصّف الأمامي... وجهان اعتدت على قسماتهما، في كل رحلاتي المكرّرة على متن الباص، الفتاة نفسُها تصعد رفقة أبيها من نفس المحطة، ثم سرعان ماينصهران في حديث لا يخلو من المعتاد الذي افتقدَته أذناي.
الصّدفة ذاتُها تتكرّر، يتّخذان المقاعد المقابلة لي ، تُحاصرني ملامحهُما المتشابهة، وحديثُهما الذي لا يخلو من ألفة غريبة... خلف نظارتي الشمسية تتلألأ عيناي لهذا المشهد، فَيعود بي الزّمن لِملامح أبي الذي لا أتذكّر من عَبق وجودِه بيننا، إلا النُّزر القليل...
بلاغة الصورة تخلخل انطفاءة السنين، يتسلّل إلى قلبي دفءٌ ضارب في القِدم...إنها ابتسامة أبي...فأترك لِمخيّلتي فُرصةَ العبث بالخواء...ماذا لو كنتَ معي الآن أبي؟
أبحث في كل الوجوه التي لا تعرفني، ولا تعرف أنّ أبي لم يكن من راكِبي الباص...
أصِل أخيرا إلى وِجهتي...تاركةً خلفي دخان ماردٍ، يُبدّد ملامح الحنين ...
مجلة فن السرد| محاكاة
إرسال تعليق