فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي مغربي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

آســية | فاطمة گطار

 

القاصة فاطمة گطار

آسية

كانت مخيلته الصغيرة تصور له دائما صورة تلك العشرينية الجميلة. غالبا، كانت جارتهم المتزوجة بذلك السكِّير الذي يكرهه ويخافه في ذات الوقت، وغالبا، كان اسمها آسية. كان يحب أن يناديها بذلك الاسم، يجده لائقا بها كثيرا.

عندما يتذكر آسية، يتذكر يديها الناعمتين كالقطن، عندما تمررهما على وجهه الصغير، هل كانت تراه صغيرا كما يراه الآخرون؟ كانت تلك الحسناء تنظر إلى داخل عينيه بعمق، ترى فيه ما لا يراه غيرها وهو الصبي الذي لم يبلغ بعد أحد عشر خريفا، لأنه يستطيع أن يرى بعينيه الصغيرتين الحزن الكبير الذي يسكنها. بالرغم من كل ذلك الحزن والشحوب، آسية لم تكن في يوم من الأيام بشرا، كانت ملاكا يغتسل كل يوم بنور الشمس. لقد كانت شجرة سخية، يتغذى من وجودها الشاهق، ويحتمي بظلالها، وتهدهده أغصانها كلما وجد النوم مشقة كبيرة في الوصول إليه. 

كان يحبها وأمه أيضا كذلك، كانت تقول دائما لصغيرها إن الحظ والجمال لا يجتمعان معا، وآسية المسكينة لا حظ لها. كان يعلم أن جارته القريبة جدا بائسة في زواجها، وغالبا ما تعلن عيناها عن معاناتها وإن كانت هي تضمرها، وببالغ الوهن واليأس كان يحاول، وعبثا يحاول أن يولي وجهها شطر القلب النابض بالضحك والحياة. لقد كانت تفتح بابا كبيرا في أعماقه لا يوصد، باب لا يدخله إلا من أتقن فن السقوط من الأعلى دون أن يصرخ. 

عندما كان يتحجج بشيء ما، ليدخل غرفتها، كانت دهشة الأطفال لا تفارقه، وحب العاشقين لتفاصيل محبوباتهم يسكنه. يرش من عطرها الفاتن الذي يذكي في نفسه شعلة هاربة من موقدها، يتجول بين فساتينها وربما تمنى أن يكون فستانها المفضل الذي تحبه... كانت تبتسم عندما تضبطه بين أشيائها، وتدعه أن يشبع فضوله الطفولي بالأشياء الجديدة. 

هل يمكن لآسية أن تحب صبيا يترك كل يوم لها رسالة أمام بيتها يطلب فيها من وجهها أن يبتسم؟ هل كانت تعلم أنه هو صاحب الرسائل التي كانت تخفيها عن زوجها في خزانة فساتينها؟ هل كانت تعلم بحبه لها؟ إذا لم تكن تعلم بذلك الحب لماذا كانت تهديه لوح شوكولاته وتقبله على خده كلما رافقها إلى بيتها؟ 

كانت ابتسامتها له حبا، وعناقها حبا... وصمتها أيضا كان حبا كبيرا يملأه حد الانتشاء. إنه أشبه بخاتم معدني يجذبه مغناطيسها دون أن يتساءل إلى أين؟ 

كانت مخيلته الصغيرة ترسم صورا أخرى لآسيته الجميلة، وهو عائد من مدرسته، يحمل رسالة جديدة تحمل مطلبه الوحيد، وجد أمه تخيط له جلبابا صوفيا استعدادا لفصل جديد، قبَّل جبينها، وأخبرها أنه سيزور سريعا جارتهما العزيزة جدا آسية، حينها رأى على وجه أمه اندهاشا كبيرا وهي تخبره أن لا جارة لهم اسمها آسية.

عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد