محمد شكري |
محمد شكري: من يستطيعُ أن يتكلَّمَ صادقاً أمام أبي؟
أمهات العالم، آباءُ العالم..
جعلَ اللهُ في أكبادهم الرطبةِ أَجْراً، وفي قلوبهم الحبَّ والشغفَ نحو أبنائهم، وقلَّ ما نجدُ عكْسَ هذا، وإنْ وُجِدَ فهو شذوذٌ، وخروجٌ عن الطبيعةِ، وتمرُّدٌ على العاطفة، وعصيانٌ لله الذي خلق الآباء والأبناء، وجعل بينهم مودَّةً ورحْمَةً.
وقد يحدثُ أن يَكْرَهَ أبناءٌ آباءَهم وأمهاتهم لعلَّةٍ ما، لكن أنْ يكرهَ الآباءُ والأمهاتُ أبناءَهم فذلك لأمر قويٍّ لا يقدرون عليه كالجنونِ مثلاً، وإنَّ الناسَ يشفقون على الأب أو الأم اللذينْ يبغضان أبناءَهما، ويصفونهما بالمجنونيْنِ، أما إذا أبغضَ الابْنُ أبويْه فإنَّ الناسَ يصفونه بالمسْخوط، ويلْعنونه في الدنيا والآخرة.
محمد شكري، هل هو مسخوطُ الوالديْنِ؟..
ما كتب محمد شكري عن أبيه في (الخبز الحافي) و(زمن الأخطاء) فظيعٌ!
فقد صوَّرَه في حالةٍ من الهياجِ، والقسوةِ، والعنفِ، حتى بدا لنا أنه حيوانٌ، بل إنه في عبارةٍ واضحةٍ يقول: «أبي يصْفَعُ ويصْرُخُ مثل حيوانٍ»، وكثيراً ما أخبرنا أنه يضربه في البيت وخارج البيت.. أمام أُمِّه وأمام أصدقائه... وهو لا يضربُه وحدَه فقط، بل يضربُ أُمَّه أيضاً، وكذلك الحيوانات، «إذا اقتربت منه قِطَّةٌ يُمْسِكُها من ذيْلِها ويخْبِطُها مع الحائط... ما أنْ يقبضَ على دجاجةٍ أو أرنبٍ للذَّبْحِ حتى يُخيَّل إليَّ أن الحيوان يموتُ بين يديْه القويتين قبل أنْ يُنْحَرَ».
إنه ليس قاسياً فحسب، وإنما عاطلٌ عن الشُّغْلِ أيضاً، يعتمدُ على زوجته في الحصول على المال، يستغلُّ الابْنَ بحيث يسْتحْوذُ على أجرته التي يقْبِضُها بيده في نهاية الشهر، حين اشتغل في مقهى، «يقضي معظمَ وقْتِه في ساحة الفدان مُسْتلذاً بطالتَه. ينامُ كثيراً. يأكلُ مثل خنزيرٍ. يتناولُ النشوق ويعودُ أحياناً ثمِلاً إلى المنزل».
وقاتلٌ أيضاً؛ فقد قتل ابنه الصغيرَ "عبد القادر" في ليلةٍ مشؤومةٍ، «يسبُّ العالمَ دائماً ويُجدِّفُ على الله أحياناً ثم يستغفره»!
وكثيراً ما تمنَّى "محمد شكري" موْتَ أبيه، وفي يوْمٍ حين فاجأه مع رفيقيْنِ له في السوقِ، وأرادَ أن يضْربَه، هاجمه الرفيقان، وضرباه حتى أدْماهُ، فَرِحَ هو بذلك، وقال لرفيقيْه حين علما أنه أبوه: «إنه يستحقُّ أكثر مما فعلتماه له. إنه كلْبٌ»!
أبٌ قاسٍ وشريرٌّ، ولم يفكِّرْ أن يُدْخلَ ابنه إلى المدرسة، والابنُ يكرهُه، يكرهُه...
لكنه يُحبُّ أُمَّهُ، «أليست أُمّي هي التي تبيعُ الخُضَرَ في حيِّ الطرانكات؟»
الأم هي التي تشتغلُ، ولولاها لأهلَكَهم الجوعُ، وهي امرأة أبيَّةٌ، عزيزةُ النفس، ومتديِّنَةٌ، «تُصلّي كثيراً، وتدعو كثيراً. تُشعلُ الشموعَ في أضرحةِ أولياء الله»، وتؤمن بالجنة والنارِ وبإرادة الله، ولا تقبل على نفسِها الحرامَ، وتزجرُ ابنَها عن سرقة أشياء الآخرين؛ حين أتى ذات يومٍ بدجاجةٍ ميتَةٍ، وأخبرها كذباً أنه ذبَحها قبل أن تموتَ، (خطفتْها منه غاضبَةً)، وقالت له: «الإنسانُ لا يأكلُ الجيفَةَ»، وفي يومٍ آخر حين حمل إليها بقولاً من مقبرةٍ، قالت له: «ما ينبتُ في المقابر لا يأكله الناسُ».. وحين علمتْ أنه جمعَ ريْحاناً من فوق بعض القبور ووضعها فوق قبر أخيه، قالت له بصرامةٍ: «غداً ستعودُ إلى المقبرةِ وتردَّ ريْحان الناس إلى مكانه. إنها قبورُ الناس»!
كانت امرأةَ حُرَّةً تجوعُ ولا تأكلُ بثدْييْها، كما يقول المثلُ العربيُّ.
كل امرأَةٍ يُحبُّها "محمد شكري" يُحِبَّها مثل أُمِّه.. وكل رجل يكرهه "محمد شكري" يكرهُه مثل أبيه.
في حوارٍ أجراه معه "يحيى بن الوليد"، سأله هذا الأخيرُ:
- أبوكَ هل كان دائماً على نفس الحال من الهياج كما حرصْتَ على تقديم صورته؟
أجاب "محمد شكري":
- كان أفظع من الصورة التي وصفته بها في كتاباتي وتصريحاتي.
لكن، وأنا أقفُ عند كلام الأب لصاحب المقهى الذي قدم له ابنه "محمد شكري" من أجل العمل، أستطيعُ أن أقول إنَّ "شكري" بالغَ كثيراً في كرهه لأبيه، ولم يعْدِلْ في قوله عنه. جاء في (الخبز الحافي):
- ها هو ذا ابني. إذا اعتدى عليه أحدُ السكارى أو الحشاشين بما لا يليق فسوف أزهق له روحه. أنت تعرفُنا نحن الريفيين. إننا لا نصبر كثيراً.
ولا يسعُني إلا أن أختم هذه الورقة بمعنى حديثٍ نبويٍّ يقول: لا تدْعوا على أولادكم فيتمنَّوْا لكم الموتَ.. كما كان يتمنى "محمد شكري".
بقلم الكاتب المغربي الخضر الورياشي
إرسال تعليق