Iالقصة القصيرة الحائزة على المرتبة الثانية في مسابقة فن السرد٢
بقلم القاص المغربي المبدع محمد قصدي
"كبرياء بدوي"
يستيقظ عبد الغني صبيحة كل يوم قبل أن ترسل الشمس خيوطها الذهبية، يضع أشياءه التافهة داخل مخلاته، ويخرج بعدها من المنزل، طالبا من الله اليسر.
يمشي بين شوارع المدينة الضيقة، يطرق الأبواب؛ طالبا عملا يليق بتلك الشواهد المعلقة على جدار غرفته المتلاشية، لكن عبثا، كل وظيفة طلب الولوج إليها، إلا ووجد جدارا من الإسمنت المسلح والاسلاك الشائكة يحول دون بلوغها... مر قرابة شهر من الزمن على ذلك النحو، يخرج عبد الغني فجرا ويعود إلى جحره بعدما تكون الخفافيش قد أصطادت وجبتها الليلية.
لكن اليأس لم يعرف طريقه لنفسية الرجل، ظل متشبتا بخيوط الأمل الرفيعة متسلحا بعزيمة سيزيف... وفي إحدى الصباحات الباردة كعادتها في شهر ديسمبر، استيقظ كما كان ديدنه؛ ليبحث عن السراب، وقبل أن يخرج من المنزل، تحسس محفظة نقوده، لأخد بقشيش؛ يسد رمقه طيلة يوم شاق، لكن يده قبضت على الخواء.
أعاد التفتيش مرة ثانية وثالثة بعدما أخد منه الذعر مأخذه، لكن الخواء كان حليفه في كل مرة؛ تجمعت العبرات كثيفة في مقلتيه النائمتين، لعن اليوم الذي قرر فيه هجرة الدوار صوب المدينة، هجمة عليه جحافل من الأفكار القاتمة، فهو في جميع حالاته لن يولي الأدبار ويعود بخفي حنين للبادية، حينها سيعطي فرصة للشامتين والمعارضين لهجرته كي يفتحوا أفواههم النتنة... ترك المجال لدموعه كي تنسال غزيرة على وجنتيه، بعدما فشل في كبح جماحها، سقط بجسمه على الأرض، منكسرا محطما، حطاما أدميا لم ترحمه الحياة، ظلت أنفاسه تعلو داخل صدره المنهك، أحس حينها بقرب النهاية.
ظهر له طيف والدته الراحلة من وسط السواد وهي ترتدي ثوبا ناصع بياضه، تفرد له ذراعيها.
لمح مفاتيح الخلاص بين يدي والدته الطاهرتين تذكر قولة والده الكهل: "إن المدينة حمل وديع مع أبنائها، وذئب مفترس مع البدويين". عم المكان صمت رهيب، جمع المسكين شتات قواه الهارب، وقف مترنحا، وجملة واحدة لا تفارق لسانه المتلعثم: أنا قادم يا أمي، تراجع بخطوات للوراء، كأسد يتأهب للقفز على صيد نفيس يمكنه من الحياة. لكن عبد الغتي قفز قفزة مكنته من الفناء. رمى بنفسه من الطابق الرابع، ذهب عبد الغني إلى جوار ربه، فضل أن يموت شامخا من دون شكوى أو أنين، على أن يتسول الدراهم لبني جلدته.
التقييم:
- اللغة: سليمة إلا من بعض الأخطاء.
- الأسلوب: حسن انتقاء المعجم + استثمار المحسنات البلاغية + إبراز الرؤية الشخصية.
- الحبكة: تسلسل منطقي للأحداث + تشويق
- الفكرة أو العبرة: حضور الفكرة والنفس الإبداعي.
- علامات الترقيم: بعض الأخطاء
إرسال تعليق