فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...
Ayaيقول...

رائعة جدا ... الألفاظ عميقة و انتقائية .
جعلتني استشعر ان الكاتب ذاق الموت قبل أن يكتب النص.

القصة القصيرة الفائزة بالمرتبة الأولى في مسابقة فن السرد٢

Iالقصة القصيرة الفائزة بالمرتبة الأولى في مسابقة فن السرد ٢

عندما يبكي الحُلُم
بقلم القاص المبدع مهند يحيى حسن/العراق 


_________
أصبح من الصعب أن تدرك شيئاً، ولكنها، وفي اللحظة التي تسبق الاختناق، استطاعت أن تميز صوتها من بين حشد أصوات الإطلاقات المتنافرة ، هادئاً هدوء الموت، ثائراً و عنيفاً، وتمطى كل شيء بعد ذلك بوجل هارب ومفزع .
انتزعت نفسها من فرن الأصوات الهادرة، لم تعد تتذكر تسلسل الحركة، ولا أشكال الوجوهوفزعها وهم يفرغون فيها وابل الرصاص.
لم تعد تميز من معالم وعيها المفرغ سوى شارع طويل تجري فيه بلا هوادة كحصان مجروح هائم بين حراشف الأشجار ورفات صخور نامت عليها أوراق الخريف.
شارع متسق الأبعاد، يطويه الفراغ المظلم، ينتظر قدومها بفارغ الصبر ليغرقها في دثاره الأثيري؛الضبابي المظلم .

شارع لا يتنفس إلا بوقع قدميها الصارختين وهي تحمل ثقل الجسم؛ وكومة أحزان محمولة في سلة سندان عقلها المرهق.
-(هذا الصمت يرعبها ويحذر شغفها للتذكر، يبلعها ككفن مفروش، كجراد متناسل في حقل لا متناهي ).
وقع أقدام تتقدم برتابة فتبتلع السكون؛ تتقدم لتنهشها وتغرقها في لهاث متدحرج،  تتحرك ، تتحرك ... حاصرتها ملوحة عند الحلق، تخنقها رغبة تكاد تغتصب صرخة مكبوتة في دهاليز حنجرتها المرتجفة. ترتعش، تتمزق أسارير وجهها، في لحظة، أدركت بمجسات عقلها الظامئة أن الحزن والخوف هما الهاجس؛ 
الحقيقة المرة، الوحيدة في حياتها . إنهما شغلها الشاغل، من 
يدري لعلهما المتاهة الوحيدة المتبقية لتتيه في مجاهلها

- (كل الحقائق كاذبة .. كل شيء يكمن فيه خطأ ما ... كل شيء )
الخطوات تتبعثر مع التعب المتسلل بانتشاء في جسدها الضامر المرهق؛ بدأت تحس بثقل جسمها يتزايد، يثقل، يتواثب ... فيسقط على قارعة رصيف مكسورة، تهالكت، تمددت اليدان مثل غصنين طريين، تقوس ظهرها على هيئة علامة سؤال. فوران دائم يشق جبهة الصدر بوجوم متوحش، تتقاذف نفسها كمنجل يترنح بين أعناق سنابل متكاسلة.
- ما الذي حدث لهذا العالم؟ تصرخ مهتاجة 
- أبي اتركوه ... لا تطلقوا عليه النار :.. لا )

 ضياع أبدي في رحم عالم أخرس، جسد آخر يتماوج من وقع
معاول الرصاص المتراشق، يغيب في سنادين الذاكرة ثم ينهض ليلحقها في سباق هستيري،  يدنو ... ويدنو ... ثم يتلاشى في الفراغ .
يعلو صوت وليدها، مبتدئا من ثغرة التلاشي ...
يتلمس تضاريس ذاكرتها المتهشمة...يدغدغ صمتها السجين ... صوت مفجع،  كأنغام مزمار مشروخ، حاصر أذنيها، تغلغل في 
مسامات عقلها الأهليليجي وأقفل المسارب عليها
صوت زوجها وصورته تغلف كل الموجودات بلون واحد لا تعرفه، خليط أحمر، اختلط برائحة البارود الأسود، وجه يعبس، يطبق على شفتيه ... دم أحمر دافئ يجري كنهر تحت السرير المهترئ  يتقيؤه جسده الممزق، انتفضت كل مشاعر الغضب من صدرها؛ اعتقدت أنها تستطيع أن تنهض الشمس من مهدها لتزيل ظلام ليل دام ٍ، تتسارع الخطوات بالقرب منها، وتدور معها نبضات مخنوقة، يتجمد وجهها مفزوعاً مرة أخرى، كادت حنجرتها تفلت من مدار حلقها الجاف
الدائرة تضيق؛ الصمت، الوالد، الطفل، الزوج، الوحش القاتم، الرشاش المدوي، المنصة تهتز، العقل يشتعل بإيقاع رتيب ومتصاعد، ترتجف الأوصال، تحتضر الهمهمات، تحاول الوقوف ولكن خوفها أصابها بالشلل، يزرعها، يذلها، كطائر فقد جناحيه بين الغيوم.
دائرة الأصوات تقترب وأصوات الرشاشات تستشيط، الأفق يخيطها بين لحظات السكون، يثبتها كي لا تنساب من مكانها كأخطبوط أخرج إلى اليابسة من الماء،  تغوص في مخاض هستيري ، تحاول الوقوف، ثم طاخ ... طاخ... أصداء تتكرر في مشيمة ذاكرتها القلقة، تلفظها إلى رحم المجهول .
يخيم سكون ثقيل يحيط به صرح خاو ٍكرجع النبض يلتف 
متشرنقاً بحبل متين، بهتت الألوان، واختلطت الأصوات بوابل من الصور؛ المنصة تهتز، الفنجان يتشظى، حشرجات تعلك همساتها، تدلي عقلها، تثبت جسمها كمسامير صدئة على قارعة الطريق ... كان صوت النبض في دمها يتململ ، ويتمدد بشكل جديد لم 
تألفه، يتشكل جنيناً ...يستعذب صرخته الأولى، يختلط بصورة 

والدها وهو يحملها لأول مرة،  بصورة زوجها وهو يضمها لأول مرة، بصرخة وليدها وهي تعانق ثغره لأول مرة .. تتلاشى أوجاعها في أخدود ومسارب ذاكرتها الخاوية،  يرتفع الجسد الممدد قليلاً ثم تشرأب الرقبة في سباق هستيري نحو مساحة ضوء نازفة من مجاهيل الغيب .
-آه ... آه أريد أن الآمس زهرة والدتي بيدي الراعفة حد الانكفاء...ضميني بين وسادات أياديك وأطفئي صرير النزف المؤجل في حنايا روحي المكممة بالسراب، أقبلي إليّ فأنا بانتظار لمستك الحانية...آااه
وبهدوء ابتلعها حوت السكينة للمرة الأخيرة، رفرفت روحها بعيداً 
عن جسدها سابحةً في الأفق رغم كثافة الهواء، وانتهت لعبة الأصوات بمبضع القساوة والدموع، وألقيت ورقة أخرى في مخافر شرطة هذا البلد ضد مجهول .

التقييم:



اللغة: بعض الأخطاء اللغوية.
الأسلوب: حسن انتقاء المعجم + استثمار المحسنات البلاغية بما يخدم الرؤية الشخصية.
الحبكة: تسلسل منطقي للأحداث + تشويق.
الفكرة: تقديم الفكرة في قالب ابداعي جميل.
علامات الترقيم: عدم احترام علامات الترقيم 

عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد