مجدي شلبي: القصة الومضة ابتكاري وهذه أسباب الخلط ودوافع الحقد
الأديب مجدي شلبي: (الومضة القصصية) ابتكاري غير المسبوق
أسباب الخلط و الحيرة، و دوافع الحقد و الغيرة
يبدو أننا ـ من حين لآخر ـ في حاجة للتأكيد على حقيقة استقلالية و تفرد و تميز الومضة القصصية عن باقي الأجناس الأدبية ـ خصوصا القصة القصيرة جدا ـ رغم وضوح تلك الحقيقة التي تثبتها و تدعمها آلاف النصوص التطبيقية الملتزمة بالمعايير و الضوابط التي وضعتها لهذا الفن الأدبي، الذي ابتكرته و أرعاه و أدعمه، و أحفز الكتاب على تجريب الكتابة فيه من خلال مسابقة يومية؛ إلا أن البعض يتغافل و يتعامى و يتجاهل تلك الحقيقة؛ فتظهر من آن لآخر ادعاءات ممن يخلط بين القصة القصيرة جدا و الومضة القصصية بأن وجود الأخيرة سابق على ابتكاري لها، و هو الخلط المستمد من التسمية العشوائية التي أطلقها بعض النقاد المغاربة في بداية تعاملهم مع القصة القصيرة جدا؛ فقد خلطوا بين القصة القصيرة جدا و القصة الومضة أو الومضة القصصية و اعتبروهما شيئا واحدا، و سبب هذا الخلط أنهم وجدوا أن مسمى (قصة قصيرة جدا) يتكون من ثلاث كلمات، في حين أن اسم (القصة القصيرة) يتكون من كلمتين فقط... تلك الإشكالية تم حلها من قبل هؤلاء بأن اجتهدوا في البحث عن مسمى آخر للقصة القصيرة جدا، فأطلق البعض عليها (ق ق ج) و أطلق عليها البعض الآخر خطأ (القصة الومضة) أو الومضة القصصية! دون إدراك لكون الومضة تعني في اللغة: برقة، و البرقة لمحة خاطفة تنتج عن اصطدام سحابتين بينهما مفارقة شديدة (إحداهما موجبة و الأخرى سالبة) و من هذا المنطلق يجب أن يتكون النص الومضي من شطرين فقط فقط فقط بينهما مفارقة (سبب و نتيجة أو فعل و رد فعل) و هنا تجدر الإشارة إلى أنه ليس كل نص يتكون من شطرين هو ومضة قصصية، و لكن كل ومضة قصصية يجب أن تتكون من شطرين فقط.
فإذا عدنا إلى التحليل الفيزيائي للومضة: البرقة؛ نجدها تترك أثرا مباغتا و صادما و غير متوقع، و هو ما يجب أن تحدثه الومضة القصصية من أثر؛ فالنص الذي لا يباغت القارئ بنهاية غير متوقعة؛ لا يمكن اعتباره ومضة قصصية بحال من الأحوال.
فماذا بعد البرق غير هطول المطر؟!، فالومضة القصصية هي التي تفتح باب التأويل لانهمار الدلالات و الإسقاطات الموحية، و لا تغلقه على معنى وحيد (ذلك الإغلاق يجعل النص مجرد تقرير خبري لا علاقة لها بالأدب، و هو ما نحذر كتابنا في رابطتنا العربية للومضة القصصية من الوقوع فيه).
و لتوضيح الفارق بين الومضة القصصية و القصة القصيرة جدا قارن بين:
هجرة: جاع؛ شبعت الحيتان.
مشاهد: أصابه العمى؛ هنأه المبصرون.
استباحة: قطعوا ذيول الدواب؛ هنأ الذباب بعضه.
و بين:
للبيع: حذاء طفل، لم يُلبس قط.
هل تجد تطابقا أجناسيا بين النصوص الثلاثة الأولى و النص الأخير؟!
أثق في نتيجة احتكامك لضميرك؛ و الغوغائيون يمتنعون.
خلصت فيما سبق إلى حقيقة استقلالية و تفرد و تميز الومضة القصصية عن القصة القصيرة جدا بطريقة عملية من خلال المقارنة الأجناسية بين نماذج من النصوص المعروضة، و أوضحت سبب الخلط بينهما و الذي ما زال يتبناه البعض إما عن عمد و إما عن جهل... و بينت أن (الومضة القصصية) فن أدبي ابتكرته و أرعاه و أدعمه، و أدافع عنه ضد العشوائية و الارتجال، إلى أن يشتد عوده و يشب عن الطوق، و يثبت وجوده على الساحة الأدبية من خلال آلاف النصوص التطبيقية، التي توافرت خلال فترة وجيزة نسبيا (خمس سنوات) بفضل إنشائي و إدارتي للرابطة العربية للومضة القصصية، و تنظيمي لمسابقة يومية فيها لتحفيز الكتاب على تجريب الكتابة في هذا الفن الأدبي المبتكر طبقا لما أرسيته من أسس و قواعد، و ما حددته من معايير و ضوابط...
و تجدر الإشارة هنا إلى أن الابتكار في المجال الأدبي حق مشروع لكل مبدع، لا يمكن لأحد فرض الوصاية عليه، أو تقييد حريته فيه، طالما استطاع أن يثبت بالدليل العملي و بالنصوص التطبيقية استقلالية و تفرد و تمير هذا الفن المبتكر عن الفنون الأدبية الأخرى... و لا شك أن سوابق الابتكارات الأدبية تؤكد أن كل جديد يواجه في البداية بالرفض لكونه يخالف سنة الاعتياد الحاكمة و المتحكمة في عقول البعض؛ فعلى سبيل المثال: ابتكار (قصيدة النثر) من خلال المزاوجة بين فن الشعر و فن النثر، واجه على مدى 12 عاما موجات من الاستياء و الغضب إلى أن أصبح فنا أدبيا معترفا به، بفضل ما أبدعه الرواد، و من سار على دربهم، من نصوص تطبيقية رائعة و متميزة...
و غني عن الذكر و البيان أيضا ما لقيه (الشعر العامي) من استهجان من قبل شعراء و نقاد الفصحى باعتباره معول هدم للغة الضاد؛ فما كان من شعراء العامية إلا أن أتحفوهم بنصوص هي أدق في الوصف، و أقدر في التعبير، وأفصح في المعنى، و أبلغ في الأثر من بعض أشعارهم؛ فكان لكثير من النقاد حينئذ وقفة مشجعة، معترفين به كفن أدبي يستحق التقدير و الاحترام...
و بالعودة إلى ما أشرت إليه بخصوص منجزي الأدبي (الومضة القصصية) يطيب لي أن أوضح عدة أمور:
أولا: هذا الابتكار (الومضة القصصية) لم يكن أول ابتكار أدبي لي؛ فقد سبقه ابتكاري لفن (المقال المقامي) عام 1998 و قمت حينئذ و على مدى ثمان سنوات، بكتابة العديد من المقالات المقامية التي نشرتها لي بعض الصحف المصرية و العربية منها (الرياض السعودية ـ مجلة روزاليوسف ـ الأهرام المسائي ـ الوفد ـ الأسبوع ـ صوت الأمة ـ المصري اليوم... و غيرها) ثم قمت بتجميع معظم تلك المقالات المقامية في كتب ورقية عام 2008 منها (لهذا وجب التنبيه ـ الرقص على سلم الصحافة ـ زواج على صفيح ساخن... و غيرها)...
ثانيا: لا يوجد ابتكار في العالم يأتي من فراغ؛ فـ (قصيدة النثر) نتجت عن مزاوجة بين فن (الشعر) و فن (النثر)، و (الومضة القصصية) نتجت عن مزاوجة بين (أدب التوقيعات "الحكمة" أو "الومضة") و فن (القص)، و (المقال المقامي) نتج عن مزاوجة بين فن (المقامة) و فن (المقال)...
ثالثا: لقد عمدت في ابتكاري لهذين الفنين الأدبيين: (المقال المقامي) و (الومضة القصصية) إلى إحياء و تجديد التراث الأدبي من خلال المزج بين فنون أدبية تراثية (المقامة) و (التوقيع الأدبي)، و فنون أدبية معاصرة (المقال) و (القص).
رابعا: لم أحتكر الكتابة في (الومضة القصصية) بل أفسحت المجال ـ كما هو معلوم ـ لجميع الكتاب لتجريب الكتابة في هذا الفن، سعيا وراء إرساء دعائمه، و إثبات استقلاليته و تميزه و تفرده عن باقي الفنون الأدبية الأخرى، تحت إشراف و متابعة و تصويب و تعديل مبتكر هذا الفن الأدبي الجديد و غير المسبوق...
خامسا: حرصا على الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية لكتابنا أنشأت بلوج خاص على البلوجر باسم الرابطة العربية للومضة القصصية يتم فيه توثيق جميع الومضات القصصية المشاركة في مسابقاتنا اليومية منذ تأسيس الرابطة و حتى تاريخه، و هذا العمل غير مسبوق في تاريخ المسابقات الأدبية
سادسا: امتد نشاطي الأدبي على طريق إرساء دعائم منجزي الأدبي من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي؛ فأصدرت سلسلة كتب ورقية بعنوان (كنوز القصة الومضة) صدر منها الكتاب الأول عام 2015 و الكتاب الثاني عام 2016 و الكتاب الثالث 2017 و الكتاب الرابع 2018، ويضم نماذج منتقاة من الومضات القصصية التي أبدعها كتابنا، فضلا عن بعض الدراسات و المقالات و الشهادات...
سابعا: الحرص التام على لغتنا العربية و المحافظة عليها من خلال القيود المفروضة على المشاركين في المسابقة اليومية؛ فلا يمكن قبول مشاركة من كاتب يدون اسمه في حسابه الشخصي بحروف غير عربية (احتراما للغتنا العربية و اعتزازا بها) كما يتم استبعاد أي نص يتم اكتشاف أي خطإ نحوي أو إملائي أو كتابي فيه.
ثامنا: لا يوجد فن في العالم دون قواعد حاكمة و منظمة و مانعه من الاعتباطية و العشوائية و الارتجال، و من هذا المنطلق حرصت على فرض تلك القيود الحاكمة و القواعد المنظمة بشكل متدرج؛ فالتزم البعض بما تم من (تطوير تدريجي) سعيا وراء النصوص الأكثر رقيا و إبداعا و تميزا؛ فاستطاعوا تحقيق ما نأمله منهم... و وجد البعض الآخر في الخلاص من تلك القيود و القواعد فسحة للانطلاق إلى عالم الفيسبوك الرحب مؤسسين مجموعات عشوائية تتناسب من (الكتابة الحرة!) دون ضوابط و لا موانع و لا قيود، مجتذبين إليهم (الفيسبوكيون الأحرار)!...
تاسعا: تلك المجموعات التي أنشأها (كتابنا الأحرار!) تشكل بعشوائيتها خطرا حقيقيا على هذا الفن الأدبي؛ بمحاولة تشويهه ـ ربما دون قصد ـ لكونها تنشر كل ما يصلها من نصوص لا علاقة لها بالومضة القصصية من قريب أو بعيد، و من عجب أنها تحمل اسم (القصة الومضة) زورا و بهتانا (بل لجأ البعض لانتحال صفة رابطتنا العربية للومضة القصصية بشكل سافر و دون حياء)... و من هذا المنطلق أحذر من التعامل مع تلك المجموعات العشوائية المزورة التي لا تمثل (الومضة القصصية) بحال من الأحوال، و لا يعتد بما تنظمه من مسابقات و ما تعلنه من نتائج بخصوص هذا الفن الأدبي المبتكر...
عاشرا: لم أكتف بما تم إصداره من كتب ورقية و ما تم عقده من ندوات و محاضرات و ملتقيات، بل سعيت نحو إنشاء كيان مؤسسي على أرض الواقع يعنى بالمحافظة على اللغة العربية، و إحياء و تجديد التراث الأدبي، و تفعيل دور الأدب في خدمة و تنمية المجتمع، وقد عقدنا بالفعل الاجتماع التأسيسي الأول عام 2014 غير أن بعض العقبات الإدارية و المادية ما زالت تحول دون تحقيق هذا الهدف...
أخيرا و ليس آخرا لن تتوقف عن التقدم و الارتقاء مسيرة (الرابطة العربية للومضة القصصية: رائدة الومضة القصصية على مستوى العالم العربي بلا منازع) محققة كل يوم خطوة على طريق إرساء دعائم هذا الفن الأدبي المبتكر و المشوق و المواكب للعصر؛ دامت رابطتنا ، و دام إبداع كتابنا و نقادنا الأعزاء من أرجاء وطننا العربي الكبير، و دامت (الومضة القصصية) جامعتنا على الخير دائما.
مقال للأديب المصري مجدي شلبي حول القصة الومضة، سبق نشره ونعيد نشره بعد استشارة كاتبه .
ــ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ.ـ
إرسال تعليق