فَـــنُّ السَّــــرْد

منبـر أدبـي ثقافي

recent

آخر المقالات

recent
recent
جاري التحميل ...

"الغرفة رقم ثلاثة" لأحمد شهوان من فلسطين


مجلة فن السرد




"الغرفة رقم ثلاثة" لأحمد شهوان من فلسطين


 مَنْ الشخص الذي بالمرآة ؟ ينظر لي بغضب وفوقية، وكأنه يملي على وجهي العبوس كيف له القدرة على التحكم بي بدون حراك؟ كيف يتحدث لي بدون كلام؟ من هو الشخص الذي بالمرآة؟
 الدموع تملأ وجه هذا الشخص، الحيرة تسبقه الصمت والقهر يتفقان على الاجتماع داخل عينيه. يتقدم نحو المرآة أكثر مقاطعاً وصفه لنفسه يدقق في تفاصيل وجهه كأنه يشاهدها لأول مرة. ينحني أكثر وأكثر، ثم يبتعد بسرعة ويصرخ: لست أَنا هذا رجل مجنون سرق وجهي المغطى. بالأحلام سرق حلمي المغمس بالأمل ..المنزوع من إشراقة الشمس والمعتق بعرق والدي وسهرأمي، هذا شبحٌ، شبح.. ابتعد ارحل بعيداً... بدأ الصوت يعلو أكثر فأكثر حتى وصل لآخر ممرات المصحة، وبالتحديد لغرفة الدكتور نادر مدير المصحة، الذي خرج من مكتبه غاضباً وكل وحوش
 الكوكب ترافقه داخل جسده وعقله، متجهةً نحو الغرفة رقم ثلاثة، التي تكون عادة للحالات الجديدة داخل المصحة. وأثناء اتجاهه نحو الغرفة، تذكر طارق ذلك الشاب الذي توفي قبل نحو ثلاثة أشهر، نتيجة ضغط نفسي وعائلي، ولأسباب تافهة تتعلق بالمال، ولطالما كان يردد عبارة "كم أكره الجشع لأنه يصنع عصابات من رواد المال والشر".

يدخل الطبيب نادر الغرفة دون استئذان فيجد كريم ملقى على الأرض ودماؤه تسيل ،فيصرخ طالباً المساعدة ، ربع من الساعة كانت كافية للوصول لأقرب مشفى، ونصف ساعه كانت تكفي لاستيقاظ كريم، من غيابه بعض الوقت عن الوعي. ينظر كريم لساعة الحائط ثم لعيون الطبيب التي تلاحقه فيجد نفسه وسط زحام معقد لا يستطيع الهروب منه، يسأله الطبيب :تنظر إلى الساعه ؟هل لديك موعد ؟تعاملتُ مع الكثير من المرضى الذين يعانون من مشاكل كبيرة جداً بل معقدة واستطاعوا تجاوزها ،لا أَعرف لماذا تغلق كل طرق الحل ؟
لماذا تعاقب نفسك ؟لماذا أشعر أَحياناً أنك الطبيب وأنا المريض. بدون مشاكلكم يقاطعه كريم قائلاً :ألديك أي أغنية على هاتفك للسيدة فيروز؟، أسمعنا إياها
يرد الطبيب بصيغة اندفاعية وما هي مشاكلنا ؟
لماذا فيروز؟
لأنها الوحيدة التي استطيع البوح لها بمشاكلكم أنتم البشر
من أنت؟ بشر؟
 أنا من يستطيع سرد جوانب ضعفكم وهروبكم من ذواتكم نحو عالم الخيال نحو مهاترات وسجالات لا داعي لها ،نحو الغموض وبناء الزيف بأقنعة العصر والأيديولوجية ,تحاورون عقولكم بالمال والشُّهرة والسيارة وبعض الترفيه وأنتم بالأصل رهان بنوك .تعتمدون على سخاء القروض البنكية وانتظار رواتبكم من أماكن عملكم .تختبئون خلف رتابة رقيكم الكاذب وتضعون جماليات من الكمال كأساسيات للحياة المترفة بالديون والكثير من مشاكلكم المعقدة ،أكبر همكم
 موعد الراتب حجم القرض برنامج تلفزيوني ،فريقكم المفضل لون الغرفة حالة الطقس ماذا سأرتدي في الصباح، تتخذون من الغرب أساس للتقليد والحياة وتعمرون قوالبكم الإجتماعية على مفهوم الحرية الغربية.تكسبون المظاهر وتخسرون الباطن الحقيقي.

يقف الطبيب مذهولاً من المحاضرة الحقيقية الجارحة للحقيقة بحد ذاتها والتي يخاف البشرمواجهتها بشجاعة فيردد بداخله أيستطيع بشري مريض الحديث بهذه الطريقة ؟صدقت نحن المريضون وأنت العاقل الناجي الأخير على هذا الكوكب ولكنك يا ولدي ستجن إن لم تكن تجاوزت حد الجنون .ستعتنق الحق سلاحاً وتتعب وتدافع عن المظلومين بسيف العقل وتمرض ولن تجد أحد بجوارك سوى ظلك الخائف .سيخّونوك ويلقوا بك في مصحة نفسية وهذا بالفعل ما 
وصلت إليه يا ولدي ،كم أرغب في احتضانك والوقوف جندياً في جيشك القادم المدافع عن السعادة
 الحقيقية للبشر؟كم أرغب أن أكون مريضك وأبوح لك بكل ما يدور في هذه النفس المرهقة 
بأوجاع الحياة؟ ولكنك مريضي وأنا المكسور أمام المرآة لا أنت.  
ينظر إليه عدة دقائق وينفض غبار التفكير الذي يحاصره ويخبره بالغد سنكمل حوارنا يا ولدي 
فيهز كريم رأسه موافقاً وكأنه سمع حوار الطبيب الداخلي مع نفسه وكأنه أصاب الطبيب في 
مقتل.
 يلاحقهم صباح اليوم التالي إلى غرفة الطبيب نادر ويبدو أن الاثنان في حالة من النضج للحديث 
الواقعي .
يبدأ كريم حديثه قائلاً من أنا ؟أَنا الذي يقتبس الجزء الأول من اسمه أمام مرآته المكسورة ويعدو
 نحو مكان بعيد في سرداب للغموض في دوامة الذكريات القديمة ،فهل أكون قد مت ؟يردالطبيب
 بعفوية وهل قبل هذا بالأصل عشت؟.يطيل النظر الممزوج بالغضب ويضحك ضحكة هستيرية
 ويقول كم هو صادق أن تموت بعد أن عشت حياً على أن تعيش ميتاً بلا هدف وأمل.
هذه الكلمات كانت كافية للطبيب للبدء بأولى جلسات العلاج الحقيقي على طريقته الحديثة،يطوي
 خمسة أوراق بعد أن دوّن على كل واحدةٍ شيئاً ،يفتح الورقة الأولى التي كتب عليها حلم يرد
 كريم أن تختفي القرارات البشرية القديمة الحمقاء من مثل رمي فلسطين في حضن اللوبي
 الصهيوني وافتراق العروبة على كأس نبيذ.
الورقة الثانية خوف ،خوف من وجود امرأة بجواري أنجب منها أطفالاً في عالمٍ مجهول
 المستقبل.
وثالث الأشياء بالورقة علاج..علاج للعقم العالمي في القضاء على الفقر والمجاعهَ والحروب.
   ورابع الأوراق هاجس ،النظر بالمرآة وتعقب الشخص الموجود بداخلها الذي كبر قبل أوانه
 وتفتحت ورود اليأس السوداء بداخله.
  . وآخر الأوراق كتب عليها أمل ،أن أواجه المرآة وأنتصر 
يدور الطبيب لنصف ساعه داخل غرفته الخافتة الإضاءة فيجلس ويسأل كريم هل تعتقد أنني 
من ضمن مرضى هذا العالم الافتراضي ؟،،يجيبه بحزن: نعم
 وهل مغادرتك علاج لك ؟لا، بل هروب وانطواء واجتناب لكل شيء سيء
 وهل في ذلك سر لن يكشف ؟لا بل سر لا يصدق
 هل ترى في نفسك شيئاً مختلفاً عن الآخرين ؟بالطبع 
وهل تراني مختلفاً؟لا
هل تصدق مشاعرك ؟نعم وأخلطها بالعقل كي تكتمل الوضوح
 هل هنالك أمل ؟ يضحك ويقول :ألم تستمع للسيدة فيروز حين غنت للأمل.
يصمت الطبيب لفترة ليست بالقصيرة ويطلب من كريم مرافقته لغرفته رقم ثلاثة ،وعند الوصول 
يطلب منه جمع حاجياته لأنه سيغادر المصحة فالمريض هو من يضع هذا الكنز المسمى كريم 
داخل مصحة.
تدمع عينا كريم ويقول ليس لي في هذه الغرفة سوى هذه المرآة المكسورة ولأجل أناقتك الفكرية
بالحديث وصراحتك ستكسر,,يكسر المرآة ويغادر الغرفة متجهاً نحو الخيال ويبقى الطبيب مأسوراً 
بها وبداخله كريم.
من هو الطبيب؟
من هو كريم؟
هما شخص واحد نزيل في المصحة النفسية في الغرفة رقم ثلاثة..حميمان لأبعد درجة، مريضان 
بالأمل لأبعد حد. 

مجلة فن السرد/ مشاتل

عن الكاتب

مجلة فن السرد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

فَـــنُّ السَّــــرْد