المبدع عثمان الشيخ |
انــتقــال | قصة قصيرة
الرابعة إلا ربع، خرجت للتوّ من داخلي، أول ما أفزعني وأنا بالخارج، أنه صار لي ظل. وبذلك نكون كائن وثلاثة ظلال، نتحرك جميعنا في نفس الوقت، كطابور لجنودٍ في العسكرية. إذا قام ذاك الكائن الذي خرجت منه، بحك رأسه، نقوم نحن البقية بفعل نفس الشي. في ذات الوقت وبنفس الدقة وبدرجة عالية من التشابه.
أما اذا أشعل سيجارته، فإن هناك سيجارة واحدة مُشتعلة وأربعة افوه تضجُ بالدخان تماماً كأفواه المداخن في المصانع العملاقة، هذا الأمر يبدو مُخيفاً ولكنه حقيقي، لدرجه يستعصي معها النكران. وحينما يجلس ليأكل فإن كائن واحد يمضغ والبقية يشبعون وهكذا في بقية الأشياء.
حاولت ذات مرة الهرب منه، ولكن دائماً ما تبوء محاولاتي بالفشل، ولا أستطيع الابتعاد كثيراً منه، كسمكةٍ بداخل حوض الماء؛ اذا ابتعدتُ أكثر سأفقد كل شيء.
سأفقد الاستمتاع بالكتب التي يقرأها ولن استطيع إكمال أحداث الرواية التي بدأها من يومين. كما أني لا أضمن أن أجد موسيقى كالتي يسمعها كل يوم من هاتفه المحمول والتي نرقص فيها معاً طوال الليل. كما لن يلسعني طعم النيكوتين الذي أحبه مرةً أخرى؛ فهو يدخن أكثر من علبة في اليوم الواحد. وفي أي وقت، حتى لو كان مع حبيبته والتي يقابلها كل سبت تحت شجرة ظليلة وبعيدة، يبدآن بالحديث ثم رويداً رويداً يقتربان من بعضها البعض، تنظر في عينه بدقّة -لا أنكر أن لها عينين واسعتين- ثم يتعانقان بقوة. يأخذ منها قبلات متتالية قبل أن يغادرا المكان، تاركةً بقايا عطرها على قميصه، وأحمر الشفاه على شفتيه. سأفتقد هذا الشي أيضاً.
هناك شيء آخر، هو أنه كائن مرتب ترتيباً دقيقاً، يستيقظ عند الساعة الخامسة صباحاً ليصلي، يتناول بعد ذلك كوب شاي ساخن أثناء قراءته لإحدى الروايات الموجودة أمامه ثم يخرج لعمله في السوق مبكراً. وحين عودته ينام مجدداً، وذاكرته مليئة بالحوارات التي دارت أثناء اليوم، مكتنزة بصور لكثير من الناس. ليستيقظ عند الرابعة عصراً ويتناول غداءه مع أسرته.
رغم أني سأفتقد هذه الأشياء إلا أن هناك رغبةً بعيدة في أن اخذ حُريتي. فأن ارتكب حماقة التفكير في الهروب الأبدي، خيرٌ لي من الركون الى الصمت القاتل. إنها الرابعة إلا خمس دقائق، سأدخل قبل أن يستيقظ.
________
مجلة فن السرد| محاكاة
إرسال تعليق
اترك.ي. تعليقا
جميل انا من محبي مجلة العربي الكويتيه ولفت نظري أن الفاءز سوداني فبحثت لاقرأ نص القصه
ردحذفوانا من المهتمين بعلم النفس فشجعني أن القصه حوار مع الذات
ومن حسن حظي اني وجدت النص
في هذا المجله فحفظت الرابط لاهتمامي الادب والشعر والقصة
اكادميه من السودان
اتساءل هل المجله تنشر قصة فقط ام شعر ايضا
ردحذف