القصة الفائزة بالمرتبة السادسة، للقاص المغربي الحسن ايت العامل

القصة الفائزة بالمرتبة السادسة، للقاص المغربي الحسن ايت العامل

مجلة فن السرد




"الحمال"

حط ثقله من على ظهره وتمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة بعد أن تضع أثقالها. قدر له أن يحمل الأثقال طوال حياته وألا يرتاح ساعة. فالله كتب على بني آدم يوم هبطوا إلى الأرض أن يجروا باحثين عن الخبز في الأرض، كما كتب على المرأة أن تكون ضعيفة بأحاسيسها وعاطفتها، وأن تترك بيت أبيها بحثا عن بيت زوجها.
تعتقد المرأة أنها ضعيفة لأنها بحاجة إلى رجل، لكن الرجل أيضا ضعيف؛ فهو الآخر بحاجة إلى امرأة تمتص غضبه وكبته وتنظم فوضاه. لكن المرأة بهذا خلقت لتنصر المستضعفين؛ لتنصر رفيقها الرجل.
تألم كثيرا وهو يرى أبناءه الذين ضحى لأجلهم، وحمل أثقال المسافرين في المحطة. تارة على ظهره، وتارة بعربة يجرها كما تفعل الحمير. كل ذلك ليكبر أبناؤه ويدرسهم كما الآخرين، وألا يحسسهم بشيء من الألم منذ الطفولة. ظن أن الأبناء حين يكبرون يمسحون الدموع عن آبائهم، يخرجونهم من عتمة الفقر إلى نور الغنى. 
حمل أثقال الناس، وحمل أثقال أبنائه وأعباءهم، وحماقاتهم. كم مرة قالت له زوجته:"فكر بنفسك، واترك أبناءك يذوقون شيئا من الألم. فالرجل عليه أن يحبو وإن كان قادرا على الوقوف والمشي. عليه أن يستشعر العتمة حتى يدرك قيمة الضوء الذي هو فيه". لكنه لا يريد أن يكبر أبناؤه ويمروا بالتجربة التي مر بها. خاف أن يكون بيته مصنعا يعيد الإنتاج. يؤمن أن التغيير يأتي من أشخاص يضحون. ونحن-الآباء- من يجب أن يضحي، لعل الحمل يخف على الأحفاد.
يدرك أن الحمل يثقل حين يكون على ظهر واحد. بل يعلم أن من أضرار حمل أثقال الناس تقوس الظهر. لكنه يصر على تقوس ظهره على أن تتقوس ظهور أبنائه. ها قد كبر الأبناء، وتوظفوا، وتزوجوا، واستقل كل واحد ببيته، لكنهم تركوه وحيدا مع زوجته وعربته. خانته عربة الزمان، لكن عربة الأثقال ظلت وفية له. ما تزال تقاوم ﻷجله.  يخرج مع أذان الفجر، يصلي مع الجماعة، يدفع العربة بما تبقى من قوة في عظمه، ينتظر قدوم حافلة كأنما ينتظر مسافرا، ينزل الناس وينزل معهم ابنه مع زوجته وابنيهما. يراه ابنه ويدير له الظهر، وينبه زوجته أن الحمال أبوه، وأن لا تخبر أبناءها.
- قال الحمال: "حامل الأثقال جاءكم".
- قال الابن: " لسنا بحاجة إلى من يحمل أثقالنا، لا نريد غريبا يحملها".
- قال الحمال: "سأحملها دون مقابل، فقد فعلت ذلك في السابق".
- قال الابن: "فعلتها وقد كنت مصدر سخرية الناس فينا في الطفولة. فهل سأقبل أن يحدث ذلك مع أبنائي/ أحفادك؟".
-  قالت الزوجة: "دعه يحملها. دعه فإن له في ذلك لذة لا تقاوم".
-  قالت الحفيدة: "أرجوك يا جدي. أنت كبير للغاية، ولا تقدر على حمل كل هذا
- قال الجد: "أرجوك بنيتي. أقدر أن أفعل ذلك، لقد حملت أثقال أبنائي، وما أزال قادرا على حمل أثقال أحفادي.."
- قالت الحفيدة: "أحفادك! وهل لك أحفاد يا جدي؟".
- قال الجد: "نعم لي أحفاد كثر، ولي حفيدة تشبهك كثيرا يا ابنتي".
- قالت الحفيدة:" أنا أيضا أشبهك في ملامحي ولوني".
-  قال الجد: ابتسم: "لكنك جميلة وخفيفة على القلب، ولوني لا يشبه لونك؛ ﻷنني أميل إلى السمرة"
 -قالت الحفيدة: "تميل إليها؛ ﻷن أشعة الشمس لفحتك".
 -قالت الزوجة: "كفى حوارا يا سلمى. أتركِ الرجل يمضي إلى حال سبيله"
-  قالت الحفيدة: "ولكنه طيب للغاية. يا ليته كان جدي الذي لم أره".
انحنى على رأس الصغيرة، قبل رأسها، وشم شعرها في شهقة طويلة، ثم أسلم روحه لله تعالى..
- قالت الزوجة: "كان رجلا عظيما".
- قال الزوج: "كان عليه أن ... 
- قالت الحفيدة: "يا ليته كان جدي..سأفتخر به أمام قريناتي.

شارك.ي. المقال

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

اترك.ي. تعليقا

ليست هناك تعليقات

2455631403162698945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث